بالحبّ والتعاون نتعلم

كم من الصعب اختيار اكثر فعالية تأثيراً وأنا استرجع بذاكرتي كمّاً من الأنشطة والفعاليات التي نُفذت مع الطالبات خلال هذه المبادرة ، فكل نشاط كان له أثراً جميلا ترك بصمة واضحة وجميلة في نفوس الطالبات ، فكل الأنشطة والفعاليات التي تمّ تنفيذها سواء تمّ اختيارها من برتوكول الخاص ببرنامج التعلم العاطفي الاجتماعي أو من ابتكاري أنا المعلمة المنفذة للمبادرة، تمّ اختيارها بدقة بحيث تكون هادفة لتحقيق مهارات التعلم العاطفي من جهة ، وساعية من خلالها لحل مشكلات سلوكية ونفسية لدى الطالبات من جهة أخرى،وفي كل الأنشطة أبدت الطالبات إنسجاما وتناغما وتفاعلاً إيجابيا، وكنت أُسعدُ بسماع العبارات اليومية من الطالبات التي نفذت معها الفعاليات( مس مشان الله تعالي عنا اليوم بدنا أنشطة) ؛ فكان تنفيذ الأنشطة بكل حب ولهفة ، وكان يعمم أثر النشاط على مواقف حياتية أخرى خلال الحصص الصفية الأخرى بالتنسيق مع المعلمات ؛لتعمّ الفائدة منه. وبالرغم من فعاليّة الأنشطة جميعها ، إلا إنني شعرت في تنفيذ نشاط(قلبي في صندوق) تميّزا في التنفيذ والتفاعل بين الطالبات، حيث فسح المجال للطالبات للتعبير عن مشاعرهن إزاء المواقف المختلفة من خلال صور تمَّ عرضهاتمثلت في: صورة لأطفال غزة في الحرب، وصورة لجنود الاحتلال يعترضون طلاب مدرسة خلال عودتهم من المدرسة ، علماً أن طالباتي معرضات لمثل هذا الموقف بسبب وجود معسكر لجيش الاحتلال بجانب المدرسة، ، فعبرت الطالبات بمشاعر صادقة من خلال الكتابة على ورقة على شكل قلب ووضعت مشاعرها في صندوق أسميناه (صندوق الأحساس) بحيث أبدعت الطالبات في التعبير الصادق عن ذاتها اتجاه المولقف المختلفة ، حيث أبدت حزنا وتأثرا لما يعانيه أطفال غزة ، وبدأت في وضع الحلول لمساعدتهم ، كما عبرت عن مشاعر الخوف التي تنتابها من رؤية جيش الاحتلال الذي يعترض طريقها أحيانافي طريق خروجها من المدرسة، وبدأت الطالبات تضع حلولا في حال صادفها العدو في الطريق وكيف تتصرف.ومنهن من بادرت بالمساعدة ؛ طلبت من زميلاتها التوجه لبيتها القريب من المدرسة لتحتمي عندها.فجاء هذا النشاط شاملاً محققاً لجميع مهارات التعلم العاطفي الاجتماعي ، ملامساً لواقع الطالبات التي هي بأمس الحاجة لمناقشته معهن.

تحديات أسرية تمثلت في الدلال الزائد لطالبتين من الطالبات المستهدفات بشكل مباشر ، مما صعّب العمل في بداية الأنشطة ، كون الطالبتان ترفضان المشاركة مع الطالبات الأخريات ، ومحاولتها لفرض رأيها دائما وحب السيطرة والتملك والقيادة دائما في كل الأنشطة ، فكان المجهود معها مضاعفا ؛لتقبل الآخرين والانسجام معهم، إضافة إلى طالبة أخرى تشعر بعدم الثقة والانسحاب دائما بسبب وضع عائلتها المادي السيء.

عوائق سياسية: تمثلت في الشعور بالقلق والتوتر الدائم ، بسبب قرب المدرسة من معسكر لجيش الاحتلال ، الذي من عادته التجول حول المدرسة والخوف من إطلاق قنابل الغاز أو الصوت وإثارة الرعب بين الطالبات ، أو اعتراض طريق الطالبات اثناء خروجها من المدرسة.

عوائق بيئة : تمثلت في ارتفاع درجات الحرارة وعدم التمكن من إجراء بعص الأنشطة التي كانت مقترح تنفيذها في ساحة المدرسة ،كونها بحاجة لمساحة واسعة.

عامل الزمن : حيث هذه الأنشطة بحاجة إلى إعطائها حقها كونها أنشطة محببة للطالبات لخروجها عن الطابع الأكاديمي المألوف وكونها تحقق ه أهدافا سامية في الرقي بمستوى الطالبات الأكاديمي ،عدا ما تُملكه للطالبات من مهارات إدارة الذات وجعلهن قادرات على إقامة علاقات اجتماعية إيجابية مع أقرانهن وتأخذ بيدهن لطريق اتخاذ القرارات المسؤولة الواعية ، فهذه الانشطة بحاجة لتخصيص وقت أكبر لتحقق أهدافها ولتنفيذ أكبر عدد منها ، على أن تعمم هذه الأنشطة على جميع معلمات المدرسة وذلك بحضورها مع الطالبات؛ لتستفيد منها خلال الحصص الصفية الدراسية.

الطالبة ( س م) تعاني من تحديات صعبة ،تمثلت في الميل إلى العزلة الدائمة ، وتفضيل الجلوس وحيدة، وعدم مشاركة الطالبات الأخريات في أي نشاط سواء في الصف أو في ساحة المدرسة، لديها قدرة للتحدث بالغة العربية الفصحى وعندها أفكار وخيال واسع ، ينظر إليها الجميع من طالبات صفها باستغراب عندما تجيب أو تتحدث، وقد تواجه بالضحك والسخرية منهن، قد تكون إجاباتها غير منطقية أحياناً، لذلك أصبحت الطالبة أقل مشاركة أو معدومة ،تبقى في حديقة المدرسة بمكان بعيد عن الجميع تشاهد الأزهار، وقت الاستراحة ، وتبقى ساكتة هادئة شاعرة بالتوتر طوال أوقات تواجدها في الصف، خوفا من انتقاد الآخرين لها،تراقب انتهاء جرس نهاية الدوام بشوق متوتر ما بين فرصة لانتهاء الدوام والتخلص من الضغط والتوتر التي تعانيه، ومابين ما قد يلاحقها في الطريق كونها تسير وحيدة في طريق عودتها ،وخوفهامن ظهور اي شي مفاجئ مثل الكلاب التي تكثر في شوارع القرية ، أو ظهور لجيش العدو الذي اعتاد التجول بين طرقات القرية بين الفينة والأخرى، علما بأن الطريق مابين المدرسة وبيت الطالبة بحاجة إلى مايقل عن (20)دقيقة سيرا على الأقدام.
1- تحديات مدرسية : تمثلت في رفض وإهمال طالبات الصف مشاركة الحالة في الأنشطة ،فقد اعتادت على عدم وجودها معها وبقائها بعيدة عن طالبات الصف، سمعت عبارات كثيرة من الطالبات، مثل(هذه الطالبة مختلفة، ليست مثلنا، لا نحب أن نشاركها، هي تبقى وحيدة دائما، هي لا تعرف شيئا).. 2-تحديات أسرية اجتماعية: تمثلت في وضع الأسرة الاقتصادي ، حيث أن أسرتها بعد دراسة الحالة للطالبة ، تعاني من فقر شديد ، فهي لاتتمكن من توفير احتياجيات الطالبة وتوفير القرطاسية الكاملة كما هو حال جميع الطالبات ، أو تأمين مصروف يومي لها ، ولا تمتلك العائلة سيارة لتوصيل الطالبة ،لتريحها من توتر الطريق الذي تعانيه الطالبة. 3-أسباب صحية: تمثلت في معاناة الطفلة من مشاكل فرط الحركة وسرعة الغضب في مراحلها العمرية السابقة، والآن بعدما كبرت قليلا واجهت صعوبة في التحكم بمشاعرها وطريقة إظهار الاستجابة المناسبة في المواقف المختلفة ، لذلك مالت إلى العزلة والانسحاب والسكوت. 4-تحديات سياسية: ما تعانيه القرية من هجمات جيش العدو أو سماع صرخات السجناء الفلسطينين، عند تعذيبهم، كون القرية كما ذكرنا سابقا، تقع بالقرب من معسر للجيش ، وبجانبه سجن عوفر الذي يحتجز به العدو الاسرائيلي الأسرى الفلسطينين، وعند تعذيبهم تُسمع الصرخات لتصل سكان القرية الملاصقة ، وهذا ما عبرت عنه الطالبة(س م) من خوفها عندما تسمع تلك الصرخات، وخوفها من ملاحقة الجيش لها في طريق عودتها.
لا شك في أن جميع الأنشطة كانت هادفة وداعمة للحالة(س م) حقا كان كل نشاط يترك أثره الفعال في المضي قدما مع الطالبة في تأمين الجو الآمن لها،لتنعم بالأمان والهدوء الداخلي ، وتتمكن من الشعور بالسعادة والأمان في البيئة المدرسية ، من هذه الأنشطة المخصصة لها: 1- نشاط قلبي في صندوق:الذي عبرت فيه الطالبة عن مخاوفها بشكل صريح ووضعنا آليات لمساعدتها في تجاوز تلك المخاوف . 2- نشاط وجدت الحل : حيث تم عرض مشكلة حيث كانت المشكلة هي مشكلة الحالة (س م) وهي وحيدة لا أحد يلعب معها والكل يرفضها وطلب من الطالبات وضع حلّ لهذه المشكلة وتخيّل نفسها مكان الحالة وتعبر عن شعورها، فكان لهذا النشاط أثرا واضحا في تقبل الكثير من الطالبات للحالة ، المباشرة بمشاركتها بالانشطة المختلفة. 3- نشاط معا نستطيع: الذي طلب منه من طالبة وضع قناع وعليها اجتياز مجموعة من الحواجز والإجابة عن مجموعة من الأسئلة لتصل خط النهاية، وتفوز، وهنا طلبت من الحالة المقصودة مساعدة الطالبة في توجيهها لاجتياز الحواجز وفي الإجابة عن الاسئلة الموجهة ، علما أن هناك سؤالا صعب لم يعرفه أحد إلا الحالة(س م) هنا شعرت الطالبات بتمييزها وبامتلاكها مهارات تفوقهن، فأبدت لها مشاعر الإعجاب والتشجيع والتقبُل.وكم كان لهذا النشاط أثرا كبيرا بعدها في مبادرة الطالبة للمشاركة بالأنشطة ، والتحدث عن رأيها ومشاعرها ، فقد أعاد الثقة إليها.
كان للمبادرة آثارا كبيرة على الحالة من النواحي المختلفة، فقد كانت هذه المبادرة بمثابة سفينة النجاة التي جلبت الحياة والسعادةللحالة المقصودة ولبقية الطالبات المستهدفات من المبادرة بشكل مباشر، لقد تركت تغيّراً إيجابيا ملموسا لوحظ من قِبَلِ الطالبات والمعلمات وحتى الأهل عبروا عن سرورهم لِما أحدثته المبادرة على ابنتهم من تطورات إيجابية ، حيث تمثلت في الجوانب التالية: 1- النفسية: أصبحت الطالبة تشعر بالسعادة والارتياح ، وتظهر الابتسامة على وجهها بعد أن كان يتعسر رؤيتها، وأصبحت مقبلة على الحياة مبادرة في الأنشطة الصفية و الإذاعة المدرسية، منسجمة مع طالبات صفها تشاركهن المهام الصفية ،مسيطرة على مشاعرها ، متقبلة لاختلاف الاخرين في آراءهم ، كما تقبلها الآخرين واصبحت حلقات النقاش تدور بينها وبين طالبات صفها بشكل إيجابي فعال حتى يتوصلن لحل أو اتفاق. 2- الناحية السلوكية : الطالبة متعاونة مع الآخرين تميل إلى مشاركة الطالبات الألعاب وقت الاستراحة ، لاتغضب سريعا تأخذ نفسا عميقا عند حدوث أي موقف يغضبها، ثم تتحدث بهدوء، تبدي تعاطف مع الآخرين من خلال تقديم المساعدة لمن يحتاجها، وتقترح حلولا مناسبة في المواقف المختلفة. 3- من الناحية الاجتماعية: أصح للطالبة مجموعة من الصديقات التي تتبادل معهن الأفكار والأحاديث والألعاب مما يعطيها شعورا بالسعادة ، والثقة في الحديث، كما أن صديقاتها ترافقها في طريق عودتها للبيت وهنا تخلصت من شعور التوتر ةالقلق ةالوحدة. 4- من الناحية الأكاديمة: لابد بعد كل هذا التغيير الذي شهدته الطالبة من النواحي المختلفة أن ينعكس ذلك أيضا على الناحية الأكاديمة، وهذا الهدف الذي يسعى إليه برنامج التعلم العاطفي في جعل البيئة المدرسية محفّزة داعمة آمنة للطالب ليرتقي بالمستوى الأكاديمي والاجتماعي والعاطفي الرفيع،وهذا ما أكدته المعلمات التي تدُرس الحالة في الصفوف الأكاديمية من تغيير ملحوظ على الطالبة ،حيث أصبحت مشاركة بالأنشطة الصفية ، مهتمة بالواجبات البيتية والصفية ، تحصل على علامات أفضل من السابق.
تمَّ وضع خطة بالاتفاق مع إدارة المدرسة والمعلمات التي تدرس الطالبة تتمثل في متابعة سلوك الطالبة بشكل مستمر والعمل على تعزيزها بشكل دائما على تحسنها، وإشراكها في الأنشطة اللامنهجية مثل: الإذاعة الصباحية وفعاليات أيام التراث ومسرح المدرسة، ومتابعة سلوك طالبات الصف في التعامل معها ، وتوجيه الملاحظات وتقديم الدعم المطلوب بشكل دائم، كما تمَّ استداء ولي أمر الطالبة وتمّ مناقشة وضع الحالة وسبُل توفير الدعم إن كان معنويا فقط لها.